فصل: الحديث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ:

عَن أبي قَتَادَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا بَال أحدكُم فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، فَلفظ البُخَارِيّ: «إِذا شرب أحدكُم فَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء، وَإِذا أَتَى الْخَلَاء فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ، وَلَا يستنجي بِيَمِينِهِ».
وَلَفظ مُسلم: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يتنفس فِي الْإِنَاء، وَأَن يمس ذكره بِيَمِينِهِ، وَأَن يَسْتَطِيب بِيَمِينِهِ».
وَفِي رِوَايَة: «لَا يمس أحدكُم ذكره بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُول، وَلَا يتمسح من الْخَلَاء بِيَمِينِهِ، وَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا دخل أحدكُم الْخَلَاء فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ».
قَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مجمع عَلَى صِحَّته. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

.الحديث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ:

إِن الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَثْنَى عَلَى أهل قبَاء- وَكَانُوا يجمعُونَ بَين المَاء والْأَحْجَار- فَقَالَ تَعَالَى: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده فَقَالَ: نَا عبد الله بن شبيب، ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} فَسَأَلَهُمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِنَّا نُتبع الْحِجَارَة المَاء».
قَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ إِلَّا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، وَلَا نعلم أحدا رَوَى عَنهُ إِلَّا ابْنه.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام بعد ذكر مَا تقدم: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أبي: ثَلَاثَة إخْوَة ضعفاء: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز هَذَا، وَعبد الله بن عبد الْعَزِيز، وَعمْرَان بن عبد الْعَزِيز، وَلَيْسَ لَهُم حَدِيث مُسْتَقِيم.
قَالَ الشَّيْخ: وَرَوَى أَبُو الْحسن الصفار فِي مُسْنده من حَدِيث زَائِدَة، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: قَالَ عَلّي بن أبي طَالب: «إِنَّهُم كَانُوا يبعرون بعرًا وَأَنْتُم تثلطون ثلطًا، فأتبعوا الْحِجَارَة بِالْمَاءِ».
قَالَ: وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا فِي جمعه لحَدِيث مسعر.
قلت: وَأخرج هَذَا الْبَيْهَقِيّ من جِهَة الصفار ثمَّ قَالَ: تَابعه مسعر عَن عبد الْملك، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن عبد الْملك. وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ، فَقيل كَمَا مر، وَقيل: عَن زَائِدَة، عَن عبد الْملك، عَن كرْدُوس، عَن عَلّي. وَقيل: عَن جرير، عَن عبد الْملك، عَن رجل عَن عَلّي. وَقيل: عَن السّديّ، عَن عبد خير. وَلَا يثبت فِي هَذَا عبد خير. ثمَّ سَاقه من حَدِيث سُفْيَان، عَن عبد الْملك، عَن عَلّي.
قَالَ الشَّيْخ: وَيُقَال: بعَر الْبَعِير يبعَر- بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي والمستقبل- وثَلَط- بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام أَيْضا- يثلِط- بِكَسْر اللَّام فِي الْمُسْتَقْبل- إِذا ألْقَى بعره رَقِيقا. انْتَهَى.
فرواية الْبَزَّار هَذِه مُوَافقَة لما أوردهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء.
وَقد ورد قَرِيبا من ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن يُونُس بن الْحَارِث، عَن إِبْرَاهِيم بن أبي مَيْمُونَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} الْآيَة، وَكَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي إِسْنَاده رجلَانِ مُتَكَلم فيهمَا:
أَحدهمَا: يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مضطربة وَضَعفه وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف وَقَالَ يَحْيَى: لَا شَيْء.
وَقَالَ فِي رِوَايَة: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَيكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: عِنْدِي أَنه لم تثبت عَدَالَته، وَلَيْسَ لَهُ من الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير. قَالَه ابْن عدي، وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْأَكْثَرين تَضْعِيفه.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن أبي مَيْمُونَة قَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مَجْهُول لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير يُونُس بن الْحَارِث قَالَ: وَالْجهل بِحَالهِ كَاف فِي تَعْلِيل الْخَبَر الْمَذْكُور.
قلت: إِبْرَاهِيم هَذَا ذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي كتاب التَّهْذِيب وَقَالَ: رَوَى عَن أبي صَالح السمان رَوَى عَنهُ يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، وَلم يعقبه بِجرح ولاتعديل وَمَشى عَلَى ذَلِك تِلْمِيذه الْحَافِظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي كِتَابيه التذهيب والكاشف وَقَالَ فِي الكاشف والْمِيزَان: مَا نعلم رَوَى عَنهُ سُوَى يُونُس هَذَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: فِيهِ جَهَالَة. وَاعْترض صَاحب الإِمام عَلَى ابْن الْقطَّان فِي دَعْوَاهُ جهالته بِأَن قَالَ: إِبْرَاهِيم هَذَا ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته فِي أَتبَاع التَّابِعين، وَقَالَ: يروي عَن أبي صَالح عَن ابْن عمر، رَوَى عَنهُ يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، وَهُوَ الَّذِي يروي عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: «نزلت هَذِه الْآيَة: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، فَنزلت هَذِه الْآيَة».
وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ، وَقد رَأَيْته بعد ذَلِك فِيهِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِي علله: يرويهِ شهر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مُتَّصِلا مرّة، وَأُخْرَى مُرْسلا وَمرَّة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه مَرْفُوعا، وأرسله غَيره.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عُويم- بِضَم الْعين الْمُهْملَة ثمَّ وَاو ثمَّ يَاء مثناة تَحت ثمَّ مِيم- ابْن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ العقبي البدري رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُم فِي مَسْجِد قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور، فَمَا هَذَا الطّهُور الَّذِي تطهرون بِهِ؟ قَالُوا: وَالله يَا رَسُول الله مَا نعلم شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ لنا جيران من الْيَهُود وكَانُوا يغسلون أدبارهم من الْغَائِط فغسلنا كَمَا يغسلوا».
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَعَزاهُ أَيْضا الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام وَغَيرهمَا إِلَى صَحِيح ابْن خُزَيْمَة أَيْضا، ورأيته بعد ذَلِك فِيهِ، وَفِي صِحَّته عِنْدِي وَقْفَة؛ لِأَن فِي سَنَده: شُرَحْبِيل بن سعد الرَّاوِي عَن عويم، قَالَ ابْن أبي ذِئْب: كَانَ مُتَّهمًا. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ ذكره فِي الثِّقَات.

.الحديث الثَّالِث:

عَن عتبَة بن أبي حَكِيم حَدثنِي طَلْحَة بن نَافِع، أَخْبرنِي أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَجَابِر بن عبد الله وَأنس بن مَالك رَضي اللهُ عَنهم أَن هَذِه الْآيَة نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا معشر الْأَنْصَار، قد أَثْنَى الله عَلَيْكُم فِي الطّهُور، فَمَا طهوركم؟ قَالُوا: نَتَوَضَّأ للصَّلَاة، ونغتسل من الْجَنَابَة، ونستنجي بِالْمَاءِ. قَالَ: فَهُوَ ذَاك، فعليكموه».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بالسند الْمَذْكُور، وَلَفظه: «يَا معشر الْأَنْصَار، إِن الله قد أَثْنَى عَلَيْكُم خيرا فِي الطّهُور؛ فَمَا طهوركم هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَتَوَضَّأ للصَّلَاة، ونغتسل من الْجَنَابَة. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل مَعَ ذَلِك غَيره؟ قَالُوا: لَا، غير أَن أَحَدنَا إِذا خرج من الْغَائِط أحب أَن يستنجي بِالْمَاءِ. قَالَ: هُوَ ذَاك».
وَعتبَة بن أبي حَكِيم مُخْتَلف فِي توثيقه، ضعفه ابْن معِين فِي أحد قوليه، وَلينه أَحْمد وَضَعفه النَّسَائِيّ فَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَفِي الْمُغنِي للذهبي عَنهُ أَنه قَالَ فِي حَقه: لَا بَأْس بِهِ. وَلم ينْقل هَذَا فِي مِيزَانه وَإِنَّمَا نقل عَنهُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمين، وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير مَحْمُود فِي الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْوتر: غير قوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَلم يبين من ضعفه سَبَب ضعفه، وَالْجرْح لَا يُقبل إِلَّا مُفَسرًا. وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْجُمْهُور توثيقه، وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا حَدِيث كَبِير صَحِيح فِي كتاب الطَّهَارَة؛ فَإِن مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور- يَعْنِي: الَّذِي رَوَاهُ عَن عتبَة وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة- وَعتبَة بن أبي حَكِيم من أَئِمَّة الشَّام، والشيخان إِنَّمَا أخذا مخ الرِّوَايَات، وَمثل هَذَا الحَدِيث لَا يتْرك لَهُ، قَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب: مُحَمَّد بن شُعَيْب أعرف النَّاس بِحَدِيث الشاميين. قَالَ الْحَاكِم: وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح. فَذكر حَدِيث عويم الَّذِي قدمْنَاهُ، وَذكره ابْن السكن أَيْضا فِي صحاحه.

.الحديث الرَّابِع:

عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عويم بن سَاعِدَة فَقَالَ: مَا هَذَا الطُّهْر الَّذِي أَثْنَى الله عَلَيْكُم بِهِ؟ فَقَالَ: يَا نَبِي الله، مَا خرج منا رجل وَلَا امْرَأَة من الْغَائِط إِلَّا غسل دبره- أَو قَالَ: مقعدته- فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَفِي هَذَا».
رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك بِهَذَا اللَّفْظ ثمَّ قَالَ:
هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
قلت: فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق وعنعنه، لَكِن قَالَ الْحَاكِم: لَهُ شَاهد من حَدِيث أبي أَيُّوب. فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُول الله، من هَؤُلَاءِ الَّذين قيل فيهم: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}؟ قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ وَكَانُوا لَا ينامون اللَّيْل كُله».

.الحديث الخَامِس:

عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ: «لما قدم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم علينا- يَعْنِي: قبَاء- قَالَ: إِن الله قد أَثْنَى عَلَيْكُم فِي الطّهُور خيرا؛ أَفلا تخبروني؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّا نجد مَكْتُوبًا علينا فِي التَّوْرَاة: الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ».
رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأحمد فِي مسنديهما عَن يَحْيَى بن آدم، ثَنَا مَالك بن مغول، سَمِعت سيارًا أَبَا الحكم غير مرّة يحدث عَن شهر بن حَوْشَب، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام بِهِ، وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة بِهِ عَن سعيد بن عبدويه الصفار، نَا أَبُو همام، نَا عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد، عَن مَالك بن مغول، عَن سيار أبي الحكم، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام قَالَ: «لما قدم علينا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة قَالَ: إِن الله- عَزَّ وجَلَّ- قد أَثْنَى عَلَيْكُم فِي الطّهُور، أَفلا تخبروني؟ قَالُوا: نجده مَكْتُوبًا عندنَا فِي التَّوْرَاة: الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ».
وَرَوَاهُ بَعضهم عَن عبد الله بن سَلام،، عَن أَبِيه، وَذكر أَبُو نعيم فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك وَاضحا، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَهُوَ مُخْتَلف فِي إِسْنَاده، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول: الصَّحِيح عندنَا: مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام فَقَط، لَيْسَ فِيهِ: عَن أَبِيه.
قلت: وَكَذَا أخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح وَقَالَ أَبُو نعيم فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة: وهم فِي هَذَا الحَدِيث جَعْفَر بن عبد الله السالمي؛ فَرَوَاهُ عَن الرّبيع بن بدر، عَن رَاشد الْحمانِي عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بن سلول قَالَ: «أَتَانَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار، إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور فَكيف تَصْنَعُونَ؟...» فَذكر الحَدِيث وَصَوَابه مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف لعبد الله بن أبي بن سلول ابْن اسْمه مُحَمَّد.
قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث شهر بن حَوْشَب، عَن أبي أُمَامَة، فَهَذَا طَرِيق سادس، وإمامنا الشَّافِعِي ذكره فِي الْأُم بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَيُقَال: إِن قوما من الْأَنْصَار استنجوا بِالْمَاءِ، فَنزلت فيهم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}.
تَنْبِيه: اعْلَم أَن الشَّيْخ محيى الدَّين النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب عِنْد قَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق «وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين المَاء وَالْحجر؛ لِأَن الله- تَعَالَى- أَثْنَى عَلَى أهل قبَاء، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} فَسَأَلَهُمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا طهوركم؟ فَقَالُوا: نتبع الْحِجَارَة المَاء»: هَكَذَا يَقُوله أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير. قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي كتب الحَدِيث. قَالَ: وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي «التَّعْلِيق»: إِن أَصْحَابنَا رَوَوْهُ. قَالَ: ولَا أعرفهُ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَالْمَعْرُوف من طرق الحَدِيث أَنهم كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنهم كَانُوا يجمعُونَ بَين المَاء والأحجار، ثمَّ ذكر من الْأَحَادِيث الَّتِي قدمناها حَدِيث أبي هُرَيْرَة وعويم وَأبي أَيُّوب، ثمَّ قَالَ: فَإِذا علم أَنه لَيْسَ لَهُ أصل من جِهَة الرِّوَايَة فَيمكن تَصْحِيحه من جِهَة الاستنباط؛ لِأَن الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم وَأما الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انفردوا بِهِ وَلِهَذَا ذكر، وَلم يذكر الْحجر؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرك بَينهم وَبَين غَيرهم، ولكونه مَعْلُوما؛ فَإِن الْمَقْصُود بَيَان فَضلهمْ الَّذِي أَثْنَى الله عَلَيْهِم بِسَبَبِهِ. قَالَ: يُؤَيّد هَذَا قَوْلهم: «إِذا خرج أَحَدنَا من الْغَائِط أحب أَن يستنجي بِالْمَاءِ» فَهَذَا يدل عَلَى أَن استنجاءهم بالماءكان بعد خُرُوجهمْ من الْخَلَاء، وَالْعَادَة جَارِيَة بِأَنَّهُ لَا يخرج من الْخَلَاء إِلَّا بعد الْمسْح بِمَاء أَو حجر، وَهَكَذَا يسْتَحبّ أَن يستنجى بِالْحجرِ فِي مَوضِع قَضَاء الْحَاجة وَيُؤَخر المَاء إِلَى أَن ينْتَقل إِلَى مَوضِع آخر. هَذَا آخر كَلَام النَّوَوِيّ. وَكَذَا قَالَ فِي غَيره من كتبه أَن الَّذِي اشْتهر فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير من جمع أهل قبَاء بَين المَاء والأحجار بَاطِل لَا يُعرف. وَتَبعهُ الشَّيْخ نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي الْمطلب فَقَالَ: لَا يُوجد هَذَا فِي كتب الحَدِيث. وَقد تيَسّر- بِحَمْد الله وَمِنْه- إِخْرَاج الطَّرِيقَة الَّتِي أنكرها، وَادَّعَى عدم أصالتها فِي كتب الحَدِيث وَأَنَّهَا لَا تلقى فِي كتب الْفِقْه وَالتَّفْسِير، وَلَعَلَّه قلد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا حَامِد فِي قولته الْمُتَقَدّمَة، لَكِن أَبُو حَامِد لم ينف وجوده، وَإِنَّمَا نَفَى مَعْرفَته، وَلَا يلْزم من نفي الْمعرفَة نفي الْوُجُود، وَقَرِيب مِمَّا ذكره النَّوَوِيّ قَول الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي شَرحه للتّنْبِيه: كَذَا رَوَاهُ الْفُقَهَاء، وَالْمَشْهُور فِي كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة خِلَافه.
وقد قدمناها نَحن لَك فِي أول مَا ذكر الرَّافِعِيّ ذَلِك عَن مُسْند الْبَزَّار تَصْرِيحًا لَا يحْتَمل تأولاً، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن دَقِيق الْعِيد هُوَ أول مُفِيد لذَلِك فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي كتاب الإِمام الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي بَابه، وَالنَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- مَعْذُور فِي ذَلِك فَإِنَّهَا طَريقَة غَرِيبَة عزيزة فِي خبايا وزوايا، فَافْهَم مَا أوضحناه لَك؛ فَإِنَّهُ مُهِمّ عَظِيم، لَو طعنت فِيهِ أكباد الْإِبِل لَكَانَ قَلِيلا.
فَائِدَة:
قبَاء الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث فِيهَا سِتّ لُغَات: التَّذْكِير والتأنيث، وَالْمدّ وَالْقصر، وَالصرْف وَعَدَمه، وَالأَصَح الْأَشْهر: مده وَصَرفه وتذكيره، وَمِمَّنْ حَكَى هَذِه اللُّغَات وأرجحيتها الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند وَالنَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَهِي قَرْيَة عَلَى ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة، وَقيل: أَصْلهَا اسْم بِئْر هُنَاكَ يُسمى: بِئْر أريس وَهِي الَّتِي وَقع فِيهَا خَاتم سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَد عُثْمَان، وَثَبت فِي الصَّحِيح «أَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يزور قبَاء كل سبت رَاكِبًا وماشيًا» هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب؛ فَالله الْمُوفق للصَّوَاب.
وَأما آثاره فَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ: سَبَب الْمَنْع فِي تَحْرِيم الِاسْتِقْبَال والاستدبار فِي الصَّحرَاء مَا ذكره الْأَصْحَاب: أَن الصَّحرَاء لَا تَخْلُو من مصلٍ من ملك أَو جني أَو إنسي؛ فَرُبمَا يَقع بَصَره عَلَى عَوْرَته، فَأَما فِي الْأَبْنِيَة والحشوش فَلَا يحضرها إِلَّا الشَّيَاطِين، وَمن يُصَلِّي يكون خَارِجا مِنْهَا فيحول الْبناء بَينه وَبَين الْمُصَلِّي، وَلَيْسَ السَّبَب مُجَرّد احترام الْكَعْبَة. وَقد نقل مَا ذَكرُوهُ عَن الشّعبِيّ.
قلت: هُوَ كَذَلِك، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، ثَنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري، نَا مُوسَى بن دَاوُد، نَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: عجبت لقَوْل أبي هُرَيْرَة وَنَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ: وَمَا قَالَا؟ قلت: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «لَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها» وَقَالَ نَافِع عَن ابْن عمر: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذهب مذهبا مواجه الْقبْلَة» فَقَالَ: أما قَول أبي هُرَيْرَة فَفِي الصَّحرَاء، «إِن لله خلقا من عباده يصلونَ فِي الصَّحرَاء؛ فَلَا تستقبلوهم وَلَا تستدبروهم، وَأما بُيُوتكُمْ هَذِه الَّتِي تتخذونها للنتن؛ فَإِنَّهُ لَا قبْلَة لَهَا».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عِيسَى بن أبي عِيسَى الحناط، وَهُوَ عِيسَى بن ميسرَة وَهُوَ ضَعِيف. وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِي عِيسَى فِي هَذَا الْبَاب. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل مَا ذَكرُوهُ عَن ابْن عمر أَيْضا.
قلت: لَا أعلم من خرجه عَنهُ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا التَّعْلِيل الَّذِي قَالُوهُ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لَو قعد قَرِيبا من حَائِط واستقبله ووراءه فضاء وَاسع جَازَ بِلَا شكّ، كَمَا صرح بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر «أَنه أَنَاخَ رَاحِلَته مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ جلس يتبول إِلَيْهَا، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّمَا نهي عَن ذَلِك فِي الفضاء، فَإِذا كَانَ بَيْنك وَبَين الْقبْلَة شَيْء يسترك فَلَا بَأْس بِهِ». وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَفعل ابْن عمر هَذَا يبطل التَّعْلِيل الْمَذْكُور؛ فَإِنَّهُ لَو كَانَ صَحِيحا لم يجز فِي هَذِه الصُّورَة، فَإِنَّهُ مستدبر الفضاء الَّذِي فِيهِ المصلون. قَالَ: وَالتَّعْلِيل الصَّحِيح الَّذِي اعْتمد القَاضِي حُسَيْن وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا أَن جِهَة الْقبْلَة معظمة؛ فَوَجَبَ صيانتها فِي الصَّحرَاء وَرخّص فِيهَا فِي الْبناء للْمَشَقَّة.
وَمِمَّا بَقِي من هَذَا الْبَاب مَا قد يُقَال: يجب علينا عزوه. وَهُوَ مَا نَقله الإِمَام الرَّافِعِيّ فِيمَا إِذا انْتَشَر الْخَارِج أَكثر من الْقدر الْمُعْتَاد وَلم يُجَاوز الأليتين، فَفِي جَوَاز الِاقْتِصَار فِيهِ عَلَى الْأَحْجَار قَولَانِ: أظهرهمَا الْجَوَاز، وَاحْتج الشَّافِعِي لَهُ بِأَن قَالَ: لم يزل فِي زمَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى الْيَوْم رقة الْبُطُون، وَكَانَ أَكثر أقواتهم التَّمْر، وَهُوَ مِمَّا يرقق الْبَطن، وَمن رق بَطْنه انْتَشَر الْخَارِج مِنْهُ عَن الْموضع وَمَا حواليه، وَمَعَ ذَلِك أمروا بالاستجمار. انْتَهَى.
وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم وَقَالَ فِيهِ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِنَّه صَحِيح مَشْهُور. وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ أَيْضا عقب الْكَلَام عَلَى النَّهْي عَن الْبَوْل فِي المَاء الراكد وإيراده الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِيهِ: وَقيل: إِنَّه لِئَلَّا يجن فَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب حِينَئِذٍ تَحَرُّزًا مِنْهُم. وَهَذَا الْمَذْكُور لَا أعلم من رَوَاهُ حَدِيثا وَلَا أثرا وَلَا خَبرا، نعم فِي كَامِل ابْن عدي من حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا: «لَا يدْخل أحدكُم المَاء إِلَّا بمئزر؛ فَإِن للْمَاء عَامِرًا». قَالَ ابْن عدي: فِيهِ يَحْيَى بن سعيد التَّمِيمِي الْمدنِي، مُنكر الحَدِيث ضَعِيف، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ ذَلِك ثِقَة جليل.
وَفِي الْمُسْتَدْرك عَن أبي الْعَبَّاس- هُوَ الْأَصَم-، ثَنَا الدوري، نَا الْهَمدَانِي، نَا زُهَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يدْخل المَاء إِلَّا بمئزر» ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث عَلّي بن زيد، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن مُوسَى بن عمرَان كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل المَاء لم يلق ثَوْبه حَتَّى يواري عَوْرَته فِي المَاء».
وَحَكَى أَحْمد عَن الْحسن وَالْحُسَيْن: «وَقد قيل لَهما، وَقد دخلا المَاء وَعَلَيْهِمَا بردَان، فَقَالَا: إِن للْمَاء سكانًا».
خَاتِمَة لَا يَنْبَغِي إهمالها وَهِي:

.مَا يُقَال عِنْد دُخُول الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْهُ:

وَالْعجب أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ أهمل ذَلِك وَذكره الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه نعم ذكره فِي الشَّرْح الصَّغِير والْمُحَرر وَقد ورد فِي ذَلِك عدَّة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث».
رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَعْلِيقا: «إِذا أَرَادَ أَن يدْخل...» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث» وَفِي رِوَايَة لسَعِيد بن مَنْصُور وَأبي حَاتِم وَابْن السكن فِي صحاحه: «بِسم الله، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث».
والخُبُث- بِضَم الْخَاء وَالْبَاء وَيجوز إسكانها- جمع خَبِيث، والخبائث جمع خبيثة، وَكَأَنَّهُ استعاذ من ذكران الشَّيَاطِين وإناثهم، وَغلط الْخطابِيّ من أجَاز إسكان الْبَاء فِي الْخبث، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن فُعُلا- بِضَم الْفَاء وَالْعين- يسكن عينه قِيَاسا، فَلَعَلَّ من سكنها جوز ذَلِك، لَا جرم أَن أَبَا الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ قَالَ: رَوَيْنَاهُ بِالضَّمِّ والإسكان.

.الحديث الثَّانِي:

عَن زيد بن أَرقم رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أَتَى أحدكُم الْخَلَاء فَلْيقل: أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث».
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي إسناه اضْطِرَاب، وَسَأَلَ البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: لَعَلَّ قَتَادَة سَمعه من الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ وَالنضْر بن أنس، عَن أنس وَلم يقْض فِي هَذَا بِشَيْء. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار: اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة: هَذَا الحَدِيث اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده. وَقَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي إِسْنَاده، وَالَّذِي أسْندهُ ثِقَة.
قلت: فِي هَذِه الْعبارَة نظر؛ لِأَنَّهُ لم يرم بِالْإِرْسَال حَتَّى يكون الحكم لمن أسْندهُ، إِنَّمَا رمي بِالِاضْطِرَابِ عَن قَتَادَة، وَقد صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم؛ فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفظ ابْن حبَان كَلَفْظِ أَحْمد: «فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يدْخل...» الحَدِيث، وَكَذَا أخرجه أَحْمد، قَالَ ابْن حبَان: وَهَذَا حَدِيث مَشْهُور عَن شُعْبَة وَسَعِيد جَمِيعًا، وَهُوَ مِمَّا تفرد بِهِ قَتَادَة. ثمَّ أخرجه من طَرِيق آخر، وَلَفظه: «فَإِذا دَخلهَا أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك...» الحَدِيث، وَلَفظ الْحَاكِم من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أحدكُم دخل الْغَائِط فَلْيقل: أعوذ بِاللَّه من الرجس النَّجس من الشَّيْطَان الرَّجِيم». قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج مُسلم بِحَدِيث لِقَتَادَة، عَن النَّضر بن أنس عَن زيد بن أَرقم وَاحْتج البُخَارِيّ بِعَمْرو بن مَرْزُوق، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ عَلَى قَتَادَة، رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ، عَن زيد بن أَرقم- رَفعه-: «إِن هَذِه الحشوش محتضرة؛ فَإِذا أحدكُم دَخلهَا فَلْيقل: أعوذ بك من الْخبث والخبائث» ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين من شَرط الصَّحِيح، وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ.

.الحديث الثَّالِث:

عَن أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يعجز أحدكُم إِذا دخل مرفقه أَن يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الرجس النَّجس الْخَبيث المخبث الشَّيْطَان الرَّجِيم».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث عبيد الله بن زحر الأفريقي- وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَله مَنَاكِير، ضعفه أَحْمد، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ- عَن عَلّي بن يزِيد- وَهُوَ الْأَلْهَانِي وَقد ضعفه جمَاعَة- عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن الْحسن «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ دُخُول الْخَلَاء قَالَ:...» فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: والرجس- بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم- وَالنَّجس- بِكَسْر النُّون وَإِسْكَان الْجِيم- إتباعًا للرجس.

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ستر مَا بَين أعين الْجِنّ وعورات بني آدم إِذا دخل الكنيف أَن يَقُول: بِسم الله».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِالْقَوِيّ.

.الحديث الخَامِس:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج من الْغَائِط قَالَ: غفرانك».
رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
قلت: وصحيح؛ فقد صَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَلَفظ إِحْدَى روايتيه: «كَانَ إِذا قَامَ من الْغَائِط» بدل: «إِذا خرج» زَاد ابْن خُزَيْمَة «غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه الزِّيَادَة لم أَجدهَا إِلَّا فِي رِوَايَته وَهُوَ إِمَام وَقد رَأَيْته فِي نُسْخَة قديمَة من كِتَابه وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة، ثمَّ ألحقت فِي الْحَاشِيَة بِخَط آخر، فالأشبه أَن تكون مُلْحقَة بكتابه من غير علمه. قَالَ: وَقد أخبرنَا الصَّابُونِي، عَن مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، نَا جدي... فَذكره بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة. وَقَالَ: فصح بذلك بطلَان هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث.
قلت: وَلم أرها أَنا أَيْضا فِي نُسْخَة أَصْلِيَّة مِنْهُ، فتأيد مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيّ- بعد إِخْرَاجه هَذَا الحَدِيث وَحكمه عَلَيْهِ بالْحسنِ والغرابة-: لَا نَعْرِف فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا حَدِيث عَائِشَة. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي مُخْتَصر السّنَن: وَفِي الْبَاب حَدِيث أبي ذَر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج من الْخَلَاء قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني».
قلت: أخرجه النَّسَائِيّ فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث أبي الْفَيْض عَنهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقد قيل إِن أَبَا الْفَيْض لم يدْرك أَبَا ذَر. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَقَالَ: وَقفه عَلَى أبي ذَر أصح. كَمَا سَيَأْتِي، وَحَدِيث أنس بن مَالك عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَفِي لفظ: «الْحَمد لله الَّذِي أحسن إليَّ فِي أَوله وَآخره»- وَفِي اللَّفْظ الأول: أخرجه ابْن مَاجَه- وَحَدِيث عبد الله بن عمر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي: كَانَ إِذا خرج- قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأَبْقَى مِنْهُ قوته، وأذهب عني أَذَاهُ» قَالَ: غير أَن هَذِه الْأَحَادِيث أسانيدها ضَعِيفَة، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: أصح مَا فِيهِ حَدِيث عَائِشَة.
قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا مِمَّا لم يذكر حديثان:
أَحدهمَا:
حَدِيث طَاوس، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن وهرام قَالَ: سَمِعت طاوسًا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَتَى أحدكُم البرَاز فَليُكرم قبْلَة الله؛ فَلَا تستقبلوها وَلَا تستدبروها، ثمَّ ليستطب بِثَلَاثَة أَحْجَار، أَو ثَلَاثَة أَعْوَاد، أَو ثَلَاثَة حثيات من تُرَاب، ثمَّ ليقل: الْحَمد لله الَّذِي أخرج عني مَا يُؤْذِينِي، وَأمْسك عَلّي مَا يَنْفَعنِي» ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر بِذكر ابْن عَبَّاس فِيهِ فَقَالَ: ثَنَا عبد الْبَاقِي بن قَانِع، نَا أَحْمد بن الْحسن المضري، أَنا أَبُو عَاصِم أَنا زَمعَة بن صَالح، عَن سَلمَة بن وهرام، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «إِذا قَضَى أحدكُم حَاجته فليستنج بِثَلَاثَة أَحْجَار، أَو ثَلَاثَة أَعُود، أَو ثَلَاث حثيات من تُرَاب». قَالَ زَمعَة: فَحدثت بِهِ ابْن طَاوس فَقَالَ: أَخْبرنِي أبي عَن ابْن عَبَّاس بِهَذَا سَوَاء.
زَمعَة أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا، وَضَعفه أَحْمد وَابْن معِين وَقَالَ مرّة: صُوَيْلِح الحَدِيث. وَسَلَمَة بن وهرام أَكْثَرهم يوثقه، قَالَ ابْن الْقطَّان: وَثَّقَهُ ابْن معِين وَضَعفه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير المضري، وَهُوَ كَذَّاب، وَغَيره يرويهِ عَن طَاوس مُرْسلا لَيْسَ فِيهِ ابْن عَبَّاس، وَقد رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن سَلمَة، عَن طَاوس قَوْله.
الحديث الثَّانِي:
عَن سُهَيْل بن أبي حثْمَة وَأبي ذَر عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنه كَانَ إِذا خرج من الْغَائِط يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني».
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هُوَ مَحْفُوظ. قَالَ: وَرَوَاهُ مَنْصُور عَن رجل- يُقَال لَهُ: الْفَيْض- عَن أبي حثْمَة، عَن أبي ذَر مَوْقُوفا، وَهُوَ أصح.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة، وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.